سورة الأنفال - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)}
قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى} أي أنزلنا إذ أنتم على هذه الصفة. أو يكون المعنى: واذكروا إذ أنتم. والعدوة: جانب الوادي. وقرى بضم العين وكسرها، فعلى الضم يكون الجمع عدى وعلى الكسر عدى، مثل لحية ولحى، وفرية وفرى. والدنيا: تأنيث الأدنى. والقصوى: تأنيث الأقصى. من دنا يدنو، وقصا يقصو. ويقال: القصيا، والأصل الواو، وهي لغة أهل الحجاز قصوى. فالدنيا كانت مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة. أي إذ أنتم نزول بشفير الوادي بالجانب الأدنى إلى المدينة، وعدوكم بالجانب الأقصى. {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} يعني ركب أبي سفيان وغيره. كانوا في موضع أسفل منهم إلى ساحل البحر فيه الأمتعة.
وقيل: هي الإبل التي كانت تحمل أمتعتهم، وكانت في موضع يأمنون عليها توفيقا من الله عز وجل لهم، فذكرهم نعمه عليهم. {الرَّكْبُ} ابتداء {أَسْفَلَ مِنْكُمْ} ظرف في موضع الخبر. أي مكانا أسفل منكم. وأجاز الأخفش والكسائي والفراء {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} أي أشد تسفلا منكم. والركب جمع راكب. ولا تقول العرب: ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل. وحكى ابن السكيت وأكثر أهل اللغة أنه لا يقال راكب وركب إلا للذي على الإبل، ولا يقال لمن كان على فرس أو غيرها راكب. والركب والاركب والركبان والراكبون لا يكونون إلا على جمال، عن ابن فارس. {وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ} أي لم يكن يقع الاتفاق لكثرتهم وقلتكم، فإنكم لو عرفتم كثرتهم لتأخرتم فوفق الله عز وجل لكم. {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا} من نصر المؤمنين وإظهار الدين. واللام في {لِيَقْضِيَ} متعلقة بمحذوف والمعنى: جمعهم ليقضي الله، ثم كررها فقال: {لِيَهْلِكَ}
أي جمعهم هنالك ليقضي أمرا. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ} {مَنْ} في موضع رفع. {وَيَحْيى} في موضع نصب عطف على ليهلك. والبينة إقامة الحجة والبرهان. أي ليموت من يموت عن بينة رآها وعبرة عاينها، فقامت عليه الحجة. وكذلك حياة من يحيا.
وقال ابن إسحاق: ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت عذره، ويؤمن من آمن على ذلك. وقرى {من حيي} بيائين على الأصل. وبياء واحدة مشددة، الأولى قراءة أهل المدينة والبزي وأبي بكر. والثانية قراءة الباقين، وهي اختيار أبي عبيد، لأنها كذلك وقعت في المصحف.


{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43)}
قال مجاهد: رآهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه قليلا، فقص ذلك على أصحابه، فثبتهم الله بذلك.
وقيل: عني بالمنام محل النوم وهو العين، أي في موضع منامك، فحذف، عن الحسن. قال الزجاج: وهذا مذهب حسن، ولكن الأولى أسوغ في العربية، لأنه قد جاء {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} فدل بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم. ومعنى {لَفَشِلْتُمْ} لجبنتم عن الحرب. {وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} اختلفتم. {وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} أي سلمكم من المخالفة. ابن عباس: من الفشل. ويحتمل منهما.
وقيل: سلم أي أتم أمر المسلمين بالظفر.


{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} هذا في اليقظة. يجوز حمل الأولى على اليقظة أيضا إذا قلت: المنام موضع النوم، وهو العين، فتكون الأولى على هذا خاصة بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه للجميع. قال ابن مسعود: قلت لإنسان كان بجانبي يوم بدر: أتراهم سبعين؟ فقال: هم نحو المائة. فأسرنا رجلا فقلنا: كم كنتم؟ فقال: كنا ألفا. {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} كان هذا في ابتداء القتال حتى قال أبو جهل في ذلك اليوم: إنما هم أكلة جزور، خذوهم أخذا واربطوهم بالحبال. فلما أخذوا في القتال عظم المسلمون في أعينهم فكثروا، كما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران: 13] حسب ما تقدم في آل عمران بيانه. {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا} تكرر هذا، لان المعنى في الأول من اللقاء، وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين، وهو إتمام النعمة على المسلمين. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} أي مصيرها ومردها إليه.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14