{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)}قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى} أي أنزلنا إذ أنتم على هذه الصفة. أو يكون المعنى: واذكروا إذ أنتم. والعدوة: جانب الوادي. وقرى بضم العين وكسرها، فعلى الضم يكون الجمع عدى وعلى الكسر عدى، مثل لحية ولحى، وفرية وفرى. والدنيا: تأنيث الأدنى. والقصوى: تأنيث الأقصى. من دنا يدنو، وقصا يقصو. ويقال: القصيا، والأصل الواو، وهي لغة أهل الحجاز قصوى. فالدنيا كانت مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة. أي إذ أنتم نزول بشفير الوادي بالجانب الأدنى إلى المدينة، وعدوكم بالجانب الأقصى. {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} يعني ركب أبي سفيان وغيره. كانوا في موضع أسفل منهم إلى ساحل البحر فيه الأمتعة.وقيل: هي الإبل التي كانت تحمل أمتعتهم، وكانت في موضع يأمنون عليها توفيقا من الله عز وجل لهم، فذكرهم نعمه عليهم. {الرَّكْبُ} ابتداء {أَسْفَلَ مِنْكُمْ} ظرف في موضع الخبر. أي مكانا أسفل منكم. وأجاز الأخفش والكسائي والفراء {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} أي أشد تسفلا منكم. والركب جمع راكب. ولا تقول العرب: ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل. وحكى ابن السكيت وأكثر أهل اللغة أنه لا يقال راكب وركب إلا للذي على الإبل، ولا يقال لمن كان على فرس أو غيرها راكب. والركب والاركب والركبان والراكبون لا يكونون إلا على جمال، عن ابن فارس. {وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ} أي لم يكن يقع الاتفاق لكثرتهم وقلتكم، فإنكم لو عرفتم كثرتهم لتأخرتم فوفق الله عز وجل لكم. {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا} من نصر المؤمنين وإظهار الدين. واللام في {لِيَقْضِيَ} متعلقة بمحذوف والمعنى: جمعهم ليقضي الله، ثم كررها فقال: {لِيَهْلِكَ}أي جمعهم هنالك ليقضي أمرا. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ} {مَنْ} في موضع رفع. {وَيَحْيى} في موضع نصب عطف على ليهلك. والبينة إقامة الحجة والبرهان. أي ليموت من يموت عن بينة رآها وعبرة عاينها، فقامت عليه الحجة. وكذلك حياة من يحيا.وقال ابن إسحاق: ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت عذره، ويؤمن من آمن على ذلك. وقرى {من حيي} بيائين على الأصل. وبياء واحدة مشددة، الأولى قراءة أهل المدينة والبزي وأبي بكر. والثانية قراءة الباقين، وهي اختيار أبي عبيد، لأنها كذلك وقعت في المصحف.